| قصائد

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

الماءُ وهو يسيرُ

-في جلبابه الأطفالُ والشعراءْ

ونواةُ ألفِ قصيدةٍ لم تكتمِلْ-

يهمي ليخبرَ أمّنا في الأرضِ أسرار الرجولةِ

فهْو قبلَ تكوّنِ المكنونِ كانَ...وقبل "كنْ"

ذكرُ الطبيعةِ في اكتمالِ شبابهِ يكتظُّ فيهِ دخانُ شهوتِهِ

فيحملُهُ بساطُ الغيمِ

يرقصُ...

يغمزُ الأرض الشهيّةَ بالظلالِ...

بمقلةٍ من غيمتينِ وضوء شمسٍ

يشتهيها...

تشتهيهِ...

يشتري في الغيمِ أشكالاً تلبّي...

يرفعُ الزيناتِ قوساً عرضُهُ خصرُ الظلالِ (مقوزحاً) باللونِ

يُحضِر فرقةً للرقص من ورقِ الخريفِ ونسمتينِ...

تجنُّ فيه أنوثةُ الأشجارِ...

تغدو كلُّ أرضٍ من عيال الأرض أنثى تشتهيهِ

أينما تهمي ذكورتُهُ تَحنُّ لهُ...تجنُّ بهِ...

يُزفُّ العاشقانِ وتحدُثُ الأشياءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ...

 

الأرضُ أنثى...

نبضُها وجهُ الحياةِ...

ووجهها نبضُ الحياءِ

تحبُّ زهوَ الماءِ مقتدراً عليها...

راضياً أن يرتمي من أجلها بجنونه من فوق سطح الغيم...

نحو حنانها المكتومِ تحتَ ترابها المحمومِ...

تقبلُهُ..

تقبّلُهُ..ليندمجا...ويحترقا..ويكتملا..

فيقترفا قراناً في ترابِ المخدعِ الزوجيِّ...

يبتكرانِ شكلاً للغصونِ..

ونوعَ عطرِ الوردِ هذا العام...

يشتركان في تركيب ألوان الزهورِ لكلِّ فصلٍ في تفاصيل الربيع الموسميِّ..

وبعدُ...

ينطفئ المذكّرُ في عروق الماءِ بعد خروجِ نار الماء...

تبردُ رغبةُ الأرض المضيئةُ...

يضجرانِ

يفكّرُ الماءُ المسافرُ كيفَ صارَ سريرُهُ لحداً لهُ...

وزواجُهُ زجُّ لطلّتهِ بسجنٍ من ترابٍ مظلمٍ

يحتارُ...

يذرفُ ماءَ عينيهِ ويندمُ...

كيف هاجرَ,كي يبرّدَ نارَ صدر الأرضِ,مملكةَ السماءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

 

لا بدَّ من موتٍ إذنْ...

ليعود ثانيةٍ إلى الأصل المقدّسِ...

إن جلجلةً بحجم الأفق جاهزةً ليملأها مسيح الماءْ

لا بدّ من موتٍ خفيفٍ.. ليعتلي دربا يحايل بين معجزينِ:

واحدةٌ لنوح في زمان الفيض متّكئاً على كتف السفينة وحدَهُ الربّان..لا مجذاف غير حماسه المجنون للطيران...

والأخرى انتقالٌ مثل غيض الله قبل النفخ في روح الحياة المجدليّة...

ليس من نسل النبوّة كي يصوغ المعجزاتِ...

وليس من أهلِ الرعيّة كي يصون حياته منها...

ويمسح عن شكوكِ مداره الأهواءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

 

الماءُ إدمُ...

رنّةُ الإسمنِ واحدةٌ...

فآدمُ كلِّ يومٍ قطرةُ الماء الضريرةُ...

والغوى حوّاءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

 

الشهوةُ الحمراءُ في الإثنينِ تفّاحُ الحياةِ السرمديُّ...

كلاهما أخطا...

خطا نحو الخطيئة خطوتينِ لأجل نارهما...

وكرمى لاخضرارٍ موسميٍّ

هاتِ لي طرساً لأكتب كلَّ لم يذكر التوراةُ...

أو توراةَ يصلحُ كلَّ ثانيةٍ يقاربُ قصّةَ التكوينِ من بين السطورِ

يفضُّ أغطية المعاني بالتقاط الوهج والإبهامِ والإيماءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ

 

الماءُ نهراً:

ماءُ أرضٍ لم يطقْ فيها حياةً...

لم يجدْ درباً قريباً للسماءِ سوى سلالم نفسهِ لمّا تخفُّ بنفسها...

خفَّ الرحالَ..

وطلّقَ الأرضَ انبلاجاً من عروق الصخرِ...من عمرِ الجبالِ

وغاضَ عمراً لا يحنُّ إلى نساءِ الأرضِ مبتعداً عن الأنثى ومقترباً من التفّاحِ

من إيمانِه الأزليِّ أن لا ماء فوق الأرضِ...

أن الماءَ لا يرتاحُ إلا تحتَ هذي الأرضِ...

سافرَ نحو رغبتّهِ وعادَ إلى اشتهاء فيهِ لامرأةِ مخادعةٍ...ليبحرَ مرّةً أخرى

وينسى كلَّ همِّ الأرضِ في طرقِ السماءْ

الماءُ ثمَّ الماءُ ثمَّ الماءْ




الشاعر مهدي منصور

شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.

ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.

صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.

لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.

 في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.

 ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.

مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...

صدر للشاعر:

متى التقينا 2004

انت الذاكرة وأنا 2007

قوس قزح 2007

كي لا يغار الأنبياء 2009

يوغا في حضرة عشتار   2010

أخاف الله والحب والوطن 2016

الأرض حذاء مستعمل 2016

فهرس الانتظار 2018