لا ترجعوا مثله منهكين
يقول المجنّدُ للضابط المتحصّن خلف مدى الصوت
ها نحن ندهسُ آخر ريحانةٍ أمعنتْ في الرحيقِ بأقدامنا..وانـتهينا..
ولم يبقَ منهم سوى من يوثّقُ أغنيةَ الموتِ في كتب الشعراء الصغارِ...
يناديه عبر الجهازاقتلوا "صوتهُ"
يقول قـتلناهُ...لكنّهُ يحملُ اللحنَ بين يديه...
يقلّبهُ في أصابعهِ مثل بائعة القهوة الغجريّةِ..
يُرقصهُ فوق سبّابةٍ لا تخاف من الموتِ وهي تشير إلينا...
يجيب اقطعوا وتراً في كمنجا الحنينِ..فإني أحبُّ المغنينَ...
دون يدينْ...
فقال: بدون يدين يغنّي...يغنّي..بدون يدينْ
أجاب بصوتٍ تقـيّأ من وجع الموتِ كيف يغنّي؟؟
إذاً..أطلق النارَ..
قال يغنّي..بصمتٍ..حكايتُهُ ناقصةٌ كفّتينِ وزائدةٌ حلمينِ...وعينْ
أجاب اقتوا فيه ما فيهِ...ثم اطرحوه ليتّسخ الصوتُ بالأرضِ
واحتملوا الصمت من بعدهِ..
قال يا سيّدي قد قتلناهُ لكنّه الآن مثلَ نحاس الكنائسِ ممتلئٌ بالصدى
كيف نرجعُ والريحُ ماثلةٌ في العراء تغنّي..
الترابُ يهدهد من مات وهو يغنّي..
أنتركُ أقدامنا هاهنا..فالمكان الذي نحن فيهِ يساورنا بالبقاءِ..
أنتركُ نيراننا فوق مئذنة التينِ ناضجةً؟
ثم نرجعُ للثكـنة العسكرية منتصرينَ...
بلا قدمينْ؟!
أجابَ وقد حيّرَ الصوتُ فوّهةً القتلِ..
وانسلّ بين أصابعه غضبُ الأرض لا ترجعوا...
أطلقوا الليل في وضح الأغنياتِ..
اطلقوا النار في كلّ صوبٍ على الصوت...
لا ترجعوا مثله منهكين..
اقتلوا جيداً جثّةً لم تمت فوق ذاك الحصى!!
واقتلوا الأرض من تحته...
وادفنوا الأرض بين يديه..وعودوا... وعودوا...
فقال..وإن لم تمت تحته الأرضُ..واعتذرتْ أغنياتُ القتيلِ عن الموتِ..
قال:"...إذا لم تمتْ مرةً أغنيات القتيل بنيرانكم..."
وشممتم إباءَ حسينْ...
أعدّوا نخيلاً... وكثبانَ من عضلات الجزيرةِ..واسماً يليقُ بمأتمهِ...
واقتلوهُ..بأعرابّهِ مرّتينْ...
مهدي منصور
شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.
ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.
صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.
لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.
في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.
ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.
مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...
صدر للشاعر:
متى التقينا 2004
انت الذاكرة وأنا 2007
قوس قزح 2007
كي لا يغار الأنبياء 2009
يوغا في حضرة عشتار 2010
أخاف الله والحب والوطن 2016
الأرض حذاء مستعمل 2016
فهرس الانتظار 2018