الظلُّ فجرٌ داكن
الليلُ يجلسُ حيث كان..
ولا جديد سوى تألم مقلةِ القنديل من زيتٍ شحيحٍ في الحكايا الساهراتِ...
وها أنا أحتارُ كالغرباءِ في عتبٍ يحدّق بي على عتبِ المدينةِ..
أقتفي أثري بحدس الذكرياتِ..
فمي على وجعٍ كأن الريحَ فوقي لا تهادنني حوافرُها
فأرجفُ مثل أغنيةٍ بحنجرة العجوزِ...
وللمدينةِ دمعتانِ...تضجُّ واحدةٌ بأعماق الحنينِ
ودمعةٌ لولا طفتْ سقطتْ مرنّحةً بصدرِ وشاحي..
ولها جنونٌ في القصيدةِ صاحِ
غادرتُها كي أجمعَ الأعيادَ للـ
أطفالِ.. أو كي أجمع الأطفالَ
للأعيادِ من مدنٍ بلا أفراح
ورجعتُ -"سلوى"- بعد ألف قصيدةٍ
عنهمْ وعنكِ..وبعدَ عشرِ أقاحِ...
"من أنت؟!" تسألني المدينةُ "مَنْ...!؟" كأنْ
وجهي اقتباسُ غدي..وأنَّ صباحي...
ثاوٍ هنالكَ فتشي عني مع الـ
فقراء إلاّ من إباءِ الساحِ
إنْ تعبثِ الأيامُ بالوجهِ الحزينِ
فحاولي أن تذكري أتراحي...
***
أنا والمدينةُ توأمانِ..ملامحي
وطنٌ بلا وطنٍ..وبؤسُ ضواحِ
يسري نُواحي في نَواحي عزلتي
وتردُّ آفاقي إليَّ نُواحي
أنا ذلكَ الشكُّ المساورُ في صدورِ
الأنبياء سكينةَ الأرواحِ...
أنا ما تبقّى من شعاعِ اللهِ في
الوثنيِّ..غفرانُ السماءِ الماحي..
أنا آخرُ الدمعِ المصفّى من سلالاتِ
الأسى وعرائسِ الأتراحِ
أنا ما يقولُ النخلُ للغرباءِ في
بغدادَ..أنّتُهُ امتدادُ صداحي
قلبي يقيمُ بكربلاءَ..ونبضهُ
في القدسِ بينَ الساحِ والسفّاحِ
***
"سلوايَ" حتى البحرُ يرقدُ والطيورُ
تدثّرُ الذكرى بدفءِ جناحِ
وأنا -فداكِ- أتوهُ عبّاداً لشمسِ
مواجعي وأسيرُ بينَ رماحي
ترعى الخطايا..في خُطايَ ودهشتي
هجرتْ فمي واستوطنتْ أقداحي
يا من ترفرفُ قابَ شوقٍ من غدي
المكسور..أو أدنى لنزفِ جراحي
لا كأسَ أقربُ للحقيقة من شفاهكِ
من تموّجِ شعركِ الفوّاحِ
عيناكِ منفايَ الأخيرُ...فهيّئي
<ظلّينِ من حلمٍ..ومن إصباحِ...
***
<أعمى الشراعِ..وبعضُ شطآني تسافرُ
يديكِ وبعضُها في الرّاحِ...
لم يبقَ لي إلاّ شفاهُكِ والأسى
وعليكما "سلويَ" أقبضُ راحي
لا تيأسي فالظلُّ صوتٌ داكنٌ
للفجرِ..رجعُ قصائدِ المصباحِ..
أنا رغمَ أرتالِ الرّياحِ تهُدُّني
أمتصُّ عزمَ جنونِها لرياحي..
وأسُلُّ شمسَ الفجرِ من غمدِ الإبا
لأذيقَ ليلَ العمرِ بأسَ سلاحي
<والموجُ يقصدُ حينَ يخفضُ هامَهُ
ألاّ دنى تعلو أمامَ جُماحي...
خطِّي بغيرِ الوقتِ لحظةَ حبّنا
وتوسّدي وردَ الندى..وارتاحي
لم ينحرِ التاريخُ كلَّ نجومهِ
ما زال في العنقودِ ومضٌ صاحِ
سجني أتى حلُماً..أتاحَ لمنْ
يتوسّلونَ كواكبَ الممراحِ
أن يوقظوا وطناً بأرضِ ذواتهم
وطناً أسير الوردِ دونَ سراحِ..
مهدي منصور-لبنان
شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.
ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.
صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.
لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.
في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.
ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.
مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...
صدر للشاعر:
متى التقينا 2004
انت الذاكرة وأنا 2007
قوس قزح 2007
كي لا يغار الأنبياء 2009
يوغا في حضرة عشتار 2010
أخاف الله والحب والوطن 2016
الأرض حذاء مستعمل 2016
فهرس الانتظار 2018