| مقالات

نعم لإنتاج "ابراهيم" جديد يعلّق الفأس بأجياد الكراسي


 

نعم لإنتاج "ابراهيم" جديد يعلّق الفأس بأجياد الكراسي

صوت فيروز قهوة صباحيّة محلّاة وجرعة ضرورية لاستكمال أحلام المساء في ساعات الصباح الأولى قبل ارتفاع الحرارة والوتيرة, وقبل أن ننزلق فجأة من آفاق صوت فيروز وممالكها في الغيوم إلى ضجيج الشوارع والهموم.
 

هناك حيث تأخذ الدهشةُ في جمال المشهد وأناقة الصوت مكان الأسئلة..وهنا حيث تداخلُ الأصواتِ ونكسار الصور يسرق الحيرة بـِيـَد من صخب...فلا نستطيع أن نطلق أعيرتنا الإستفهامية إلا خلال زمن الإنزلاق, لتصبح علامات الإستفهام علاماتِ تعجّبٍ ترسم "كاف كيف" الحالية وتسند خيمة الضنى المحلّي الذي يعيشنا..مثلا كيف يمكن لنا, ومباشرة بعد رمي قبعات التخرّج في هواء الجامعة, أن نتفهّم مجتمعاً عامودي النظرة, يعمى عن رؤية الأجيال الأفقية التي تنبت كالحشائش تحت رحمة شمس السماء والمطر, وبعد أن أفنينا أكثر من عشرين عاما متناهين متماهين بمعانيه نشرب لبن حبِّـه كل صبيحة لنكون نبضه الجديد فيفاجئنا بالغياب, ويصدمنا بالتناقض الحاد بين وطن الكتب المدرسية والوطن الذي وقعت من جيابه كل مقومات الحياة وبقينا نحن رغم نحولة جسومنا واتساع الثقوب!!
 

لماذا ينبغي على كل خرّيجٍ أن يعبرَ برزخاً صعباً بين وطن الإنشاء الأدبي ووطن اللّاإنشاء واللاتخطيط, وأن يسير أسيرَ دين فُـرض عليه لحظة الولادة كاسمه واسم القابلة القانونية التي أولدته ومذهبه- أي نوعه الإجتماعي بين فئة أولى وثانية فعاشرة فحيوان فنبات فشيء- دينٍ نما إلى جانبه وتناول الغذاء معه وكثيراً ما أجاعه وها هو اليوم ديناصورٌ إقتصادي كاسر. فكيف يدفع الشباب- رغما عنهم- ثمن جريمة لم يرتكبوها وكيف يسد الدّيْـن يتيمُ الوالدين- الدولة والرؤيا- أو عابرُ حياةٍ وجوّابُ فصول؟؟
 

ماذا جنى الشباب اليوم حتى ابتلتهم الأرض والسماء بما هم فيه؟ نحن لا نطلب لمسة رسول على جبين الحكومات المتعاقبة أو "كن" إلهية تبدل الواقع, نحن نسأل عمّا يراد لنا أن نكونه بعد عشرة أو عشرين عاماً وكيف يمكن لنا أن نشكّل مجتمعاً واعداً جديداً ما دمنا عاطلين عن العمل وعاجزين عن تأمين إيجار شهري لمنزل صغير بعد أن اضمحل الأمل بامتلاكه؟؟ هل يدرك المسؤولون أن الواقع يدفع بالشباب الأحرار باللجوء إلى الاحزاب الطائفية وأحيانا أخرى إلى مجموعات متطرفة يبيعونها الولاء وتبيعهم التنفس الإصطناعي...وإذا قلنا إن البطالة هي لعنة القرن الأخير التي تعيشها الأرض فإنها حاملة في طياتها لعنة سماءٍ أشدَّ وطأة أحيانا من لعنة الأرض, وذلك يكمن في الرغبة الإنسانية بالزواج وضرورته كسنّة حياة لضمان استمرارها  فقد بات على العاطلين عن العمل في ظل الأوضاع الراهنة أن يكونوا عاطلين عن النساء أيضاً..وإذا اعتبرنا أن الدين ذهب عميقا في فهم مشكلات الشباب وطرح بدائل لتصريف رغباتهم عبر الزواج المؤقت والموقوت احياناً..فإنّ الأرض لم تنتج أي حلٍّ جديد والأمور تزداد تعقيداً حيث أنّ سعر العقارات بات بالون هيليوم يعلو حتى يكاد لا يُرى والأسواق المحلية والعالمية الناشطة تضيق بصفوف الأيدي العاملة...فهل علينا دائما أن نسقط في طائرة ما تقلّنا إلى وطنٍ بحجم طموحاتنا ونموت كالفقاقيع في الهواء خلال هجرتنا إلى حيث الكلأ ومرابط الإبل ويحدّ علينا الوطن بعد ذلك وينكّس الأعلام؟؟؟ وهل على بعضنا الآخر أن يموت حسرة برّاً لعدم امتلاكه ثمن تذكرة الطائرة ولأن ثمن الموت في الجو أغلى منه على البر وشتان شتان بين موت الحشرات وسقوط الطيور؟؟!!أم أنّ علينا أن نكون برمائيين لنطفئ جمر الممارسات البريّة والبربريّة أحيانا بملح البحار؟؟!
 

هل يجوز أن نعيش على قصائد السياسيين الموزونة المزركشة في موسم الإنتخابات وكفوفهم بعده؟؟ وكأن المطلوب من الناس أن يعودوا إلى زمن عبادة الأصنام والكراسي الحجريّة...
 

إن على الأجيال أن تنتج إبراهيم جديداً يحطّم أصنام الوراثة السياسية والعبثيّة الإستراتيجيّة في القيادة ولا يخشى من لهيب النار. كان لإبراهيم الخليل إلهٌ يحميه ويجعل النار برداً وسلاما..ولكن الله الآن منهمك بإحصاء الشكاوى العامة وربما لا تحب السماء تكرار التاريخ كما تشتهي الأرضون, لذلك على الحاضر أن يلقح نفسه بما تبقى من أصوات الرسالات لينجب إبراهيم آخر ,استشهاديّا هذه المرّة, يعلّق الفأس بأجياد الكراسي غير آبه بالنار وبالمنجنيق...
 

يظهرُ بعد كل هذا الصراخ جوابٌ واحدٌ لسؤال لا علاقة له بالموضوع..الآن أفهم لماذا نحن شعراء..ولماذا نلجأ إلى الكتابة وبيت الشعر, لأن لا بيت آخر يأوينا. المشكلة تكمن في أننا نعيش على "شعر" الوعود ونصفّق بانتهاء النصوص السياسية وندور حولها طوال الدورة النيابية أو الحكومية أو الرئاسية في فضاء جميل...نلتقي فيه بصوت فيروز من جديد..نحلمُ..نكبرُ على الحلمِ وننزلقُ فجأة إلى مرّ الواقع وهكذا...لم نتعلّم من رحلة الصعود إلى الاحلام عبر أقلام الآخرين غير آلية الكتابة,  ولم نتذكر سوى الجلجلة.. لذلك نكتب على الأرض علّ القوافي ترتفع سلّما يحملنا إلى حيث كنّا, ونجدُ أنفسنا بعد هذا كلّه نفسّرُ الماء بعد الجهد بالماءِ ليضحك علينا بعضنا...أو نداوي أنفسنا بالتي كانت هي الداء لتضحك علينا ذواتنا..لأن الحقيقة أننا لا نفسّرُ ولا نداوي...بل نكتوي بنارنا الوهميّة... وما زلنا في خضم الجري العالمي السريع نتراصفُ...ونستريحُ...ونراوحُ مكاننا...

 

                                                                     مهدي منصور

مجلة مقاربات



الشاعر مهدي منصور

شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.

ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.

صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.

لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.

 في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.

 ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.

مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...

صدر للشاعر:

متى التقينا 2004

انت الذاكرة وأنا 2007

قوس قزح 2007

كي لا يغار الأنبياء 2009

يوغا في حضرة عشتار   2010

أخاف الله والحب والوطن 2016

الأرض حذاء مستعمل 2016

فهرس الانتظار 2018