| مقالات

سعيد عقل..مصداق على ابتكار الله


سعيد عقل..مصداق على ابتكار الله

كنت في السادسة عشر من عمري يوم أخذ بيدي الأستاذ زين صلوخ إلى وادي عبقر أو وادي زحلة كما يسميه الناس..وكانت ليلتها احتفاليةٌ بذكرى بلوغ الشعر الكبير سعيد عقله سنته التسعين حيث كان مكرّماً من قبل أقرب المقرّبين إليه. كنت شاعراً بلا شعر حاضر على قياس المناسبة فطلب مني مرافقونا أن أكتب شعرا من وحي اللقاء التاريخي وحدث أن كتبت نصاً من 25بيتاً شعرياً على رقعة المسافة بين القماطية حين نصطاف وزحلة حيث ندرك الربيع الشعري...وعلى طاولة من فاكهة وشعر وشعراء رحّب بنا الشاعر المحتفى به كالطفل بعد أن نزع عن كاهلة تعسين حولاً بحولٍ وحوّل الرجفةَ بيديه إلى تلويحة عاشقٍ لوطنه من على سفن الغياب...

ألقيت يومها القصيدة قائلاً:

علمٌ من الغيبِ أم ضوءٌ من الشهبِ                 أم ثورةٌ عن ذنوبِ الشعرِ لم تتبِ

أم بيرقٌ في ربى الأحلام ملعبُهُ                      يعطّر الصبحَ بالطيّونِ والأدبِ

أم انت سحرُ كتابٍ في بيانِ هوىً                    أعيا بلمسِ بيانٍ أرفع الكتبِ

من أنت؟ قل ليَ؟ حارَ الحرفً في شفتي             هل طرفكَ السحبُ أم أرقى من السحبِ؟؟؟

 

رتّب على كتفي مشجعاً بلغة العارف وامتلأتُ بصوته حتى قارعني الصدى مدة لم تنتهي بعد..وبعد أكثر من سنةٍ كان يكرّم في نقابة الصحافة الدكتورة سلوى الأمين بجائزته الأسبوعية بعد كتابتها عن صور أخذني الأستاذ صلوخ أليه وسأله هل تعرف هذا الفتى؟

أجاب وهو ينظر إلي: هل بدأ بتمزيق القصائد؟ وأين اصبح في قراءته؟؟ لم أفهم يومها إلام كان يرمي ولكنني بعد سنتين التقيت بالشاعر الكبير وليم حسواني ولفت انتباهي إلى أخطاء جمّة في الوزن المرسوم على قياس العروض المدرسي لأفهم أسراراً كثيرة في هذا المضمار وأعلم علم اليقين أن الشعر بعيدٌ كل البعد عن حصص اللغات العربية في مدارسنا الكريمة..وبعيد هذه الحادثة بأيام ملأت زاوية كان قد حضرها أبي ليزرعها بالورد..بأوراقي الكثيرة الكثيرة وأحرقتها حبّاً بها وعملاً بكلمة من الشاعر الكبير سعيد عقل فهمتها بعد حين...وما زلت أعمل بها ليس حرقاً لنصوص بل لنص أو لفكرة او لسطرٍ وتألتلف الطريقة رغم اختلاف الأحجام...هكذا الشعر كما يقول سعيد عقل قبض على الدنيا مشعشعةٌ كما يقول أن الطبعة الأولى ما هي إلا مسودة الديوان...

ينسى الشاعر قصيدته فيتكبها على ورقة فدفتر فديوان...يحاصر الشاعر فكرته فيلتقطها يداً فخيالاً فقصيدة..أما سعيد عقل فهو القصيدة التي كتبت على ضلوع الناس ودفاتر أغانيهم القديمة...هو من يحاصرهم بدفق الجمال بعد أن يحاصروا كلماته ويلاحقونها ويلعبون معها ال"لقيطة" حينا والغميضة أحيانا حتى تصبح العلاقة بينهما علاقة عينتين اثنتين لوجهٍ مشرقٍ واحد...

 

                                                                مهدي منصور



الشاعر مهدي منصور

شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.

ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.

صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.

لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.

 في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.

 ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.

مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...

صدر للشاعر:

متى التقينا 2004

انت الذاكرة وأنا 2007

قوس قزح 2007

كي لا يغار الأنبياء 2009

يوغا في حضرة عشتار   2010

أخاف الله والحب والوطن 2016

الأرض حذاء مستعمل 2016

فهرس الانتظار 2018