السيّاب، الوابل الذهبي في يوبيله الذهبي
يصعبُ فهم الدادائية ومقولتها الشهيرة: "الدادائي الحق هو الذي يكون رافضاً حتى للدادائية" ما لم نتعرّف على شخصية فذّة في التاريخ العربي المعاصر كـ"بدر شاكر السيّاب". لا نبالغ لو قلنا إنه شاعر الثورة الحنون، إذ مَن ترى سواه كان قادراً على إنتاج عاصفة من ورقة واحدة؟
تشكيل حالة السيّاب تبدأ من "جيكور"، قرية الشاعر، التي حملها في فمه كما يحمل العصفور حبّة القمح من عالم الأرض إلى أرض العالم. أما تشكيل بنية السياب الشعرية تحتاج إلى غمس سعف نخيل "جيكور" في مياه المخيّلة النافذة.
القصيدة العربية، برأيي، تصغر مع العمر، كمن يولد كهلاً ويعود به الزمن إلى جدول الصبا فنبع القصيدة الأوّل. ولدت حكيمةً وناضجة وتقطف باللسان والأذن. كانت مطوّلة كحكايات السنين التي تختزنها وما لبثت أن أصبحت أكثر رشاقة وخفّةً مع رواد العصر العباسي مروراً بمن رقصوا باللغة على مسرح تلك السنوات الطوال. ولكنها، بقدرة ثائر كالسيّاب، عادت طفلةً غنجة ومن غير دنس. الدهشة تدين لمن يراها أوّلاً كما أنّ الطرقات تدين لمن سلكوها، والسياب الذي رأى ما هو موجود أصلاً، وقد عمي عنه الجميع منذ الخليل بن أحمد إلى لحظة لم تزل غامضة بين السيّاب ونازك الملائكة، تدين له القصيدة العربية ببلوغها مرحلة الطفولة. فهو أراد لها أن تتأمل الطلّ بعد قرون من تألّم الأطلال.
فلطالما كتب الغرب الشعر الحر ولكننا لم نقرأ كما يجب. وكثيرون تحسسوا غزو المدنية مع بداعة عصر الثورة الصناعية، ودهست على آفاقهم فيهم حبال الطين العمياء، ولكن قلّة هم الذين دعوا إلى زحفٍ مضاد نحو القرى التي حشرتها المدن كغبار في زاية سقف العالم.
وهل الشاعر غير يدٍ تحمل فأساً؟ مرّة تلويه كعلامة استفهام لاجتراح الأسئلة الجديدة ومراتٍ يقطع به رأس الأصنام التي تأكل من المساحة الإبداعية في صدر المعنى. بعد خمسين عاماً من غربتنا التي كبرت من غربة على الخليج إلى غربة على شاطئ المجهول، نغسل رخام البيت العربي بمطر السيّاب الذي يهطل ناعماً بلا صلاة استسقاء أو طائرات استمطار، نعم بعد خمسين عاماً من التحولات الكبرى في الشعر العربي، يمكننا القول بضمير مطمئن، إن السيّاب كان أوّل من علقوا فأساً في عنق الرتابة.
مهدي منصور
شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.
ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.
صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.
لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.
في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.
ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.
مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...
صدر للشاعر:
متى التقينا 2004
انت الذاكرة وأنا 2007
قوس قزح 2007
كي لا يغار الأنبياء 2009
يوغا في حضرة عشتار 2010
أخاف الله والحب والوطن 2016
الأرض حذاء مستعمل 2016
فهرس الانتظار 2018