| مقالات


نحات العواصم


ليس تباين النقاد إزاء مواقف الشاعر الكبير سعيد عقل وشعره ما يجعله شخصاً استنثنائياً وحسب، بل كونه كان قادراً على استقطاب ما لا يستهان به من المؤيدين في كل قضية طرحها أو نصٍّ أبدعه. والذي لا خلاف عليه أنه نحات العواصم الذي أعطى المدن ملامحها الفضلى وعبّأ ساكنيها بعبير الإنتماء من البحر إلى البحر، مستعيناً على ذلك بالعدوى الإيجابية التي أسداها إلى الأخوين رحباني من حيث النص، والملاحم الوطنية التي لم تبخسها فيروز شيئاً مما تستحق.

الزمن مرنٌ كراقصة (باليه)، وعبر قرنٍ من الزمن، تحدثُ أشياءُ لا يمكن فهمها إذا أخرجناها من سياقها التاريخي، فخلال المئة سنة الأخيرة طرأت تغيّرات سياسية متعدّدة وظهرت آراء في الشعر وبينية القصيدة ونظّر كثرٌ في اللغة والحياة، لذلك من الحيوي القول أن الناس انقسموا حول قامةٍ كبيرة عايشت الشعر منذ الإمارة إلى الإثارة كسعيد عقل، و"إنّ من اجتمع الناس على حبّه فهو ضعيف". وهنا يحضرني السؤال الجديد القديم، إلى أي مدى يمكننا الفصل بين دور الشاعر اجتماعياً ودور شعره فنيّاً من جهة أخرى؟ وهل من المقبول أن نخلط بين الأعمال الأدبية ومواقف أصحابها؟

أنا ممن يعتقدون أن من يكتب مثقال ذرةٍ شعراً يره، من يكتب مثقال ذرةٍ نثراً يره. وإنّ ما قدمه سعيد عقل للغة كان بالغ الأهمية في فترةٍ تاريخيةٍ قد لا نبالغ إن قلنا إنها أصعب الفترات الزمنية على الضاد. لأن التطوير الذي أدخله إلى عضوية البيت الشعري كان مقدّمة أولى للإختزال، كان حيناً بستانياً يشكّ الورد بدلاً من كتابتها، وإلا كيف نفسّر تنوّع الجُمل وتعددها داخل البيت وأحياناً داخل الشطر الواحد. وهو أحياناً كثيرة كان النجار الأمهر الذي شكلت قصائده الغِراء اللاصق بين الجماعات والذي بكل حقّ لمّ الحالات المتشرذمة وملأ الفراغ النفسي في المجتمعات العربية بما تيسّر من حب الذات والشموخ مقدّمة لاحترام فكرة الوطن التي ما زالت منذ كانت جديدة. نعم لقد كتب سعيد عقل أوطاناً ما كانت لتتنفس لولا رئتيه ومجتمعاتٍ ما كانت لتصدّق حقيقتها لولا شعره. لذلك، كان عصب الشعر العربي، وهو من أبرز الشعراء الرواد الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس من بشارة الخوري إلى محمد مهدي الجواهري. مطالع قصائده إشارات توقف وإثارات وقوف وما همّ هنا موقف هذا أو تنكر ذاك، ولعلّ البيت الذي قاله بعد رحيل الأخطل الصغير لأمين نخلة في مقام إمارة الشعر، يعبّرُ تماماً عما أرمي إليه حيث قال:

بيني وبينك لا عرشٌ ولا تاجُ// قم نرتقِ الخلد شعري اليوم معراجُ

من بايعوا بايعواـ ما همّ تنصرهم// يا ذا الفقار الذي في ظلّه ماجوا

 

لذا فإن شيئاً لا يضير قامة سعيد عقل الشعرية مهما أثيرت من ضجة حول مواقفه. وبكل صراحة أقصد هنا ما قاله لقائد جيش الإحتلال الإسرائيلي في أثناء تواجد الفلسطينيين على الأرض اللبنانية من غير أُطُر واضحة. بالرغم من اختلافي مع موقفه فإنه من العدل أيضاً القول العنصرية ليست سمة خاصة في مجتمع كل ما فيه إيديولوجي. وليس من العدل أن يستحضر البعض في لحظة رحيل الشاعر، وجثمانه الأقدم من أكثر القضايا المتنازع حولها اليوم، تسجيلاً من هنا أو موقفاً هناك متنكرين للإرث الأدبي الذي هو برأيي الآن قضية محقة بعد التنكيل الذي لحق به منذ ساعات على مواقع الأثير وبعض الإعلام، في حين يتناسى هؤلاء من يخدمون عن قصد مآرب الإحتلال وفي وقت يحكم فيه بعض من قاموا بما أشدّ وادهى خلال حقبات خلت، وباتت فيه الوطنية وجهة نظر. وهنا أسأل كيف يقتطف نقادٌ كلامه ذاك متناسين جملة درويش الشهيرة: "بيروت خيمتنا الأخيرة" أو تعابير كـ"طريق القدس التي تمر بجونية" والتي يفترض أن تمرّ بشرايين الشرفاء في هذا العالم.

لذلك، كشاعر من الجيل الجديد أطالب بأن نبقي على الصورة الجميلة التي شكلتها نصوص الراحل، ألا نقصف عمر العطر الذي نتكئ عليه في أوقات الحنين. دعونا نردد لنصدّق أن: جبالنا هي نحن، الريح تضربها//نقوى، وما يعطِ قصف الرعدِ نختزنِ.

ينسى الشاعر قصيدته فيتكبها على ورقة فدفتر فديوان...يحاصر الشاعر فكرته فيلتقطها يداً فخيالاً فقصيدة..أما سعيد عقل فهو القصيدة التي كتبت على ضلوع الناس ودفاتر أغانيهم القديمة، هو من يحاصرهم بدفق الجمال بعد أن يحاصروا كلماته ويلاحقونها ويلعبون معها حتى تصبح العلاقة بينهما علاقة عينتين اثنتين لوجهٍ مشرقٍ واحد...

وفي آخر الكلام في حضرة سعيد عقل يحضرني ما قاله في رثاء راجي الراعي:

أبكيكَ، دعْ. زار التواضع باليا// أنذا الحصاة بكتْ أشمّاً راسيا

راجي وجعت أنا، وجعت لأنني// لم ألقَ سمعك يوم جئتك راسيا.

http://assafir.com/Article/212/386963/AuthorArticle



الشاعر مهدي منصور

شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.

ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.

صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.

لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.

 في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.

 ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.

مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...

صدر للشاعر:

متى التقينا 2004

انت الذاكرة وأنا 2007

قوس قزح 2007

كي لا يغار الأنبياء 2009

يوغا في حضرة عشتار   2010

أخاف الله والحب والوطن 2016

الأرض حذاء مستعمل 2016

فهرس الانتظار 2018