| في الإعلام


لقاء مع جريدة السفير 5/2/2014


إسكندر حبش 

"الظل فجر داكن" عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للبناني مهدي منصور التي حازت مؤخراً جائزة دبي الثقافية لعام 2013، وفيها يتابع الشاعر رحلته في فضائه الشعري الذي ميزه عن أبناء جيله، كما رحلته في اللغة الشعرية، ليبدو بين قلة، اليوم، لا تزال تحاول قولاً جديداً في الوزن والتفعيلة. معه هذا الحوار:
 

* أعتقد أنه لا يمكن التغاضي، في بداية هذا الحديث، عن الجوائز التي حزتها، حتى لتبدو من أكثر الشعراء - على الأقل في جيلك - حصولا عليها. ما الذي تعنيه لك الجائزة؟ وأي دور يمكن لها أن تلعب في مسيرتك؟
ـ ليس في الشعر ثمة ساحر يقبض يده على فراغ ويفتحها على حقل بنفسج.. في الشعر، ليست الجوائز لمن ينالها بقدر ما هي جائزة لمن يمنحها. فهي إذ تمنح الشاعر المشروعية، تمنح مانحها المشروعية أيضاً.
كل مجموعة شعرية هي مشروع جائزة شعرية، فقد نالت مجموعات كتبت في الثمانينيات جوائز كبيرة منذ بضع سنوات. وهي، سواء فازت أم لم تفز، ذات قيمة تستحق جائزة العيش أكثر من كاتبه، جائزة لا يمنحها التاريخ إلا لصفوة ساكنيه. ثم إن هناك مجموعات كثيرة لم تُمنح جوائز في حين صدورها، وتُوِّج كاتبوها بجوائز كبيرة لرفدهم الساحة الأدبية بجديّة أعمالهم الكاملة.
القصيدة عكس الجنين، إذ إن الأخير يأخذنا جدياً للاهتمام به فور ولادته، في حين أن القصيدة، نظلّ على اهتمام بها، حتى إذا ولدت مُتنا بالنسبة إليها. كل قصيدة، وهي المؤنث، تنكر كاتبها وبالتالي كل شاعر خائن بالضرورة. من هنا أرى أن دور الجوائز، التي تقدّم للشاعر أكثر بكثير مما تقدّمه للشعر، يكمن في إعادة اللُّحمة بين الفقيدين، بين الحفار والكنز المفترض المفقود، وهي بالتالي تمنحك الحافز لكي تستمر ولكن بمسؤولية أكبر، إذ إنها تفرض عليك الحفاظ على كل ما تمنحك إياه من حضور وإسم شعريين ولو ظهرت أحياناً كمن يطلب من مراهق أن يقود حافلة مكتظة بالناس من غير كوابح سرعة.
التجريب

 

* تبدو من قلة لا تزال واقفة عند كتابة التفيعلة والعمودي أيضاً - ولست ضد ذلك ولا اعتبره انتقاصاً أبداً - بل أحب ان أسأل: لِمَ هذا الخيار وهل حاولت أن تكتب قصيدة النثر؟ كيف تنظر إليها؟
ـ إذا كان أوّل الواجبات في الشعر التدمير فينبغي أن يكون القانون رقم صفر هو التعمير، ولكي تكون (دادائياً) حقيقياً يجب أن تنقلب حتى على نفسك، وأسأل كيف يمكن أن يُمارِس التدمير من لا بنيان له؟ والتدمير هنا، منعاً للالتباس، هو طَحن الكاتدرائيات الشكلية الشعرية التي لا تصلح لغير ترداد الأصداء من الداخل والإدهاش الفني من الخارج مع استحالة العيش في برد فسحاتها الخالية من المعاني الجديدة.. لذلك لا أعتبر أنني متوقّف عند التفعيلة بقدر ما أنا أمارس التجريب: أحيانا، تماماً كمحاولات أبي نؤاس وأبي تمّام وغيرهما من مجددي العصر العباسي، أجرب التجديد من الداخل لأنه لا يقلَ أهمية عن التجديد من خارج شكل القصيدة العربية الكلاسيكية، وأسأل إذا كان الجميع يحاولون التجديد في شكل البيت فمن يجدّد من الداخل ويملؤه بحياة أفضل؟! وأحياناً أخرى أفكر في إضافة شيء ما إلى النص ذي البينية التفعيلية، لأن (التحوّل) عن (الثابت) ينطلق من اعتبار أن نقصاً ما موجود في مكانٍ ما في النصوص التي وصلت إلينا، ولربما من الضروري أن أتمم المشهد على غرار كبار الرسامين الذين لم يخوضوا غمار التجريد إلا من بعد أن أضافوا لمسات إلى الرسم الكلاسيكي.
الحقيقة أن التعبير نفسه بالنسبة إلي أهم من شكل التعبير، ولم تؤرقني يوماً مسألة الشكل ولم أتعاط مع قصيدة النثر على أنها ناقصة بل كنت أراها بعين الماغوط الذي أحرجنا، كلّنا كما قال درويش، وما فتئت من قرّائها الأوفياء. والصدق أقول لك، بعد محاولات تملأ مئة سلة مهملات اقتربت جداً من الاقتناع بأن التحديث من داخل الشكل الكلاسيكي بات مستحيلاً، وأنّ كل محاولاتي لجر مياه الحداثة إلى بئر الخليل لم تزدني إلا عطشاً. وبصدق أكبر أقول لأصدقائي، لم يعد ثمة جدران لدينا لتعليقات المعلقات!!
مشكلة بعض قصائد النثر أنها كلاسيكية أيضاً!! إذ هرب كاتبوها من القوالب والجاهزيات ليلتصقوا بقوالب أخرى، ومشكلة كثير ممن يتعاطون قصيدة النثر أنهم لا يميزون تماماً بين النثر الشعري والشعر المنثور وقصيدة النثر، وما زلت، وسأبقى، أتحسس من إطلاق التسمية، أي قصيدة نثر، جزافاً على كل عقد كلمات انقطع خيطه من غير رؤية فنية أو لسبب آخر، فالويل لنا إذ كثر فينا الشعراء وقل فينا الشعر. وهنا أقول، كما أن الـ(بعد قليل) هو غد الراهن، فإن حداثيي اليوم هم كلاسيكيو الغد وإذا لم يتم الانتباه إلى هذه النقطة فالشعر آخذ بالتلاشي من غير شك ولا رحمة.
وبما أنني أفكر حتى انقطاع النفس بلحظة أتنفس فيها بعد الموت، فإنّ لي محاولات في كتابة جديدة ربما تُسمّى قصائد نثر ولكن في الظل، مقاطع تتسم، على حد قول سوزان برنار، بحد مقبول من الإيجاز والتوهّج والمجّانية. لا سيّما بعد أن أدهشتني بعض الترجمات القيمة للشعر الغربي والشعر اللاتيني والياباني والتي وصلت من غير إيقاع، ولكني أعترف أني ما زلت خائفاً على سطوري القليلة ذات الوجوه الكثيرة من أن تخرج عارية تماماً من كل شيء إلا من لغتها النيئة، شبيهة ربما بلغة ما قبل الطوفان، في صحراء الكلام التي تعصف فيها رياح الدنيا من غير هوادة.
فضاء الكتابة

 

* لو حاولنا البحث عن مفاتيح في كتابك الأخير "الظل..." الذي حاز جائزة دبي الثقافية 2013 - لوجدنا بعض الكلمات التي تدخلنا في مناخ معين، مثل الحزن والوحدة والضنى، الخ.. هل الشعر الذي يقود إلى ذلك؟ كيف يختار الشاعر فضاء كتابته؟
ـ أغبط بشدّة من يجدون ولو منفذاً لدخول السعادة، فأنا شقي الأسئلة. تعلم، إن فرح الدنيا هو نتيجة لإفراز مليليترات قليلة من غدد صماء، مليليترات قليلة تجعل الانسان في حالة سعادة عظمى، حتى هذه أجد جسدي غير قادر على إفرازها أمام هول التفكير بالغيب والمطلق المغلق على عنقي كمشنقة.. قد لا يكون شعوري بالغربة نتيجة لنفي المحيط أو عدم الإحاطة أو برد الدوافع، بل إن هناك دافعاً ذاتياً نحو الغربة، حتى أنني إذا امتلأت بكل أسبابها، شعرت بغربة الغربة... وهذا التغريب، رديف الكتابة كما أن الكشف رديف الحرية، فأنا أسير ما أقرأ وطليق ما أتأمل.. لأنها، حتى القصيدة أنكرت صلتي بها/ كم جلت بين قصائدي منفياً. وبعيدا عن كل ذلك، كيف يمكن أن تنظر إلى كل ما يحيط بك ولا تحزن، أن ترى أسلافك الشعراء، ذوي المجد والأثر، يتحللون كالجثث الآيلة إلى التلاشي، وأن تلاحظ كيف أنّ صفوة نصوصك تسقط أمامك... فالشعر ليس وسيلة للتعبير عن الحزن بل على الأغلب هو وسيلة لفهم الحزن، ربما لا أعرف كيف أختار فضاء كتابتي، أذكر مقطعاً لأدونيس هنا يشبه ما أفكر به إلى حد بعيد إذ يقول:
عندما أسلمت نفسي لنفسي/وساءلت ما الفرق بيني وبين الخرابْ/ عشت أجمل ما عاشه شاعر/ لا جوابْ.

 

أجد أنني أفضل الكلام عن أرض للكتابة بدلاً من فضاء لها. أرض تصلح للقصيدة التي هي هذا التردد الدائم بين الصوت والمعنى على حد قول بول فاليري.

 

ِAssafir Newspaper



الشاعر مهدي منصور

شاعر لبناني، وأستاذ جامعي متخصص بالفيزياء والتربية، من مواليد 29 شباط، يعدُّ من أبرز الوجوه الشعريّة في لبنان والعالم العربي.

ابتدأ مشواره الشعري في برنامج المميزون الذي عرضته المؤسسة اللبنانيّة للإرسال عام 2003 حيث حصد الميداليّة الذّهبيّة عن فئة الشعر المرتَجَل.

صقل منصور موهبته الشعريّة وأفقه الإبداعي عبر دراسته وتدريسه الادب العربيمن جهة ودراسته الفيزياء والرياضيات التطبيقية والتربية حتى نال شهادةالدكتورة في فيزياء الكم.

لعلّ أبرز المحطّات التي كرّست اسم الشاعر مهدي منصور عربيّاً كانت مشاركته في برنامج أمير الشعراء 2008 الذي تنتجه وتبثّه قناة ابوظبي الفضائيّة حيث نال الشاعر جائزة لجنة التحكيم.

 في شعر مهدي منصور، تنسجم الاصالة وhلحداثة معاً انسجاماً تامّاً حتى لكأنهما تبدوان قبلتين لثغر واحد، فهو يكتب بلغة عصره ويتعمق في التجارب الشعريّة الحديثة، ولكنّه يحافظ على الإيقاع الموسيقي الساحر الذي يميّز الشعر العربي، الأمر الذي نال استحسان كبار شعراء لبنان فدعموه وقدموا له.

 ويتّخذ شعر منصور طابعاً إنسانيّاً شاملاً وبُعداً كونيّاً يترجم أدق الهواجس اللاإنسانية ويطرح الاسئلة التي تضع الإنسان في مواجهة مع ذاته، الامر الذي خوّله الحصول على جائزة ناجي النعمان الثقافيّة عام 2009 وشملت الجائزة طباعة ديوانه الأخير "يوغا في حضرة عشتار" وعلى جوائز وميدالياتٍ وأوسمةٍ عديدة لا يتسع المكان لذكرها.

مثّل منصور وطنه في المحافل الشعرية والمهرجانات الثقافية العربية والعالمية.والجدير ذكره أنّ قصائد الشاعر منصور تُدرّس في بعض كتب الأدب العربي في المناهج اللبنانية والعربيّة كما وترجمت بعض قصائده إلى لغات عدة كان آخرها ترجمة إلى اللغة الألمانية ضمن دراسة "أنطوبولوجيا" أعدّها معهد غوتّه الألماني...

صدر للشاعر:

متى التقينا 2004

انت الذاكرة وأنا 2007

قوس قزح 2007

كي لا يغار الأنبياء 2009

يوغا في حضرة عشتار   2010

أخاف الله والحب والوطن 2016

الأرض حذاء مستعمل 2016

فهرس الانتظار 2018